الجمعة، 28 نوفمبر 2014

عن امكانية صنع التحولات الديمقراطية في المجتمعات العربية






هشام الزيادي

لا تفتقد المجتمعات ايّاً كان مستوى تقدمها الحضاري انتاج قادة يرسمون اطر التحولات الديمقراطية حول العالم وقبلها في مجتمعاتهم، فقط يحتاجون الى التأهيل اللازم وصقل مهاراتهم التي تعد مكوناً رئيسياً الى جانب قدرات القيادة التي يتسم بها من يملكون ارادة صنع التحولات.
فقد عملت الانظمة الاستبدادية في عدة دول عربية خلال العقود الماضية على سد أي بادرة لظهور مثل هكذا تحولات كما في بلدان مصر وتونس واليمن، بل واوغلت في الرقابة الشديدة لتكرس مبدأ السلطوية الفردانية ودون ان تتيح أي مجال للحريات المجتمعية والفردية.


ومن نتائج العولمة انها جعلت العالم قرية صغيرة، يعرف الشاب من صنعاء ما يدور من احداث في احد احياء بروكلين في ولاية نيويورك او حتى ما هو لون "التيشيرت" التي تفضله فتاة شقراء تسكن هناك، عن طريق وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعية التي غدت اكثر انتشاراً، وهذا ما يتسبب بصدمة حضارية كبيرة تدفع الشباب العربي الى التساؤل عن اسباب عدم عيشهم بالطريقة التي تعيشها المجتمعات الاوروبية والغربية.


اندفع الشباب العربي في الدول التي شهدت ثورات في مطلع العام 2011 الى مواقع التواصل الاجتماعي وعملوا على تهييج الشارع لينشدوا غداً افضل، ويعبروا عن موقفهم بأن السكوت طال، وحان وقت التطلع نحو بلدان تحكمها ديمقراطيات حقيقية تحترم حق الانسان بالعيش والتملك ولا تحدّ من حريته.


كنت انا احد الاشخاص الذين قادوا مظاهرة في الـ15 من يناير 2011 مع مجموعة قليلة من الناشطين وطلاب جامعة صنعاء كان اغلبهم من طلاب كلية الاعلام، في عشية اليوم السابق هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اثر ثورة عارمة اطاحت بحكمة، كانت التظاهرة في شوارع صنعاء والتي وصلت ظهراً الى مقر السفارة التونسية في العاصمة صنعاء، اعلنّا فيها تضامننا وتباريكنا للشعب التونسي، في ذات اللحظة تعالت الحناجر الى ضرورة ان تنتفض صنعاء ضد حاكم جَهّل الشعب ونهب ثرواته طيلة سنين حكمه، لتبدأ الشرارة ونغدو ملاحقين من اجهزة الامن اليمنية.


كان الفيلسوف جان جاك روسو يخطّ مؤلفته "العقد الاجتماعي" في منتصف القرن الثامن عشر ليضع مبادئ حول كيفية التعامل الذي ينبغي ان يكون بين الحاكم وشعبه، في القرن الواحد والعشرين لازال الشباب العربي يتطلع الى نظام يستند على احترم مثل هذه الوثيقة لتقود لاحقاً الى تحولات ديمقراطية.


في ظل زخم الشارع العربي اثناء الانتفاضات التي شهدتها عواصم عربية متعددة، برزت شخصيات شبابية مؤثرة قادت الى تحولات كبيرة، في البداية ودون قصد كان البوعزيزي في تونس، ومن ثم ظهر وائل غنيم ذلك الشاب العشريني في مصر، الذي ورغم صغر سنه آمن به جموع كبيرة من فئات مختلفة من المجتمع المصري، وفي اليمن كانت توكل كرمان تلك المرأة التي عرفها الشعب اليمني تقود المظاهرات في شوارع صنعاء تنادي برحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لتكسر حواجز الثقافة الشرقية ومحددات المجتمع الذكوري، فتكافأ على هذا الفعل عالمياً وتحصل على جائزة نوبل للسلام 2011وتقاسمها مع السيدتين الليبيريتين سيرليف وغبوي.
كانت لليمن تجربة فريدة قادت تحولاً مبهراً لمدة 3 سنوات تزعمها الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي الذي حكم اليمن في السبعينات قبل ان يتم اغتياله، وفي الثلاث سنوات التي شهدت حكمه، عرفت اليمن قفزة كبيرة في مجال التنمية والتعليم والصحة، والحدّ من نفوذ القبيلة داخل الدولة، وبسبب اعماله في تلك الفترة لازال اليمنيون يذرفون الدمع على فراقه ويبحثون عن شخص يحمل بعض مما كان يحمله رئيسهم السابق.


في مجتمعات حديثة الديمقراطية تعمل منظمات المجتمع المدني لمساعدة الحكومة الناشئة التي تبدي رغبة في التحول الديمقراطي، حيث تتعدد اهتماماتها بين التدريب والتعليم والتنمية وايضاً الحقوقية والاعلامية والتي تعتمد بشكل رئيسي على تمويلات المنظمات الدولية والدول المانحة كما هو الحال في اليمن حيث شهدت اليمن ظهور الاف من منظمات المجتمع المدني خلال فترة لا تتجاوز الـ3 سنوات، وكما هي ايضاً في ليبيا فقد ظهرت مايزيد عن 1800 منظمة في نفس الفترة حسب مركز الشرق الاوسط للدراسات.


مازال في الامكان صناعة قادة حقيقيين يحملون في جعبتهم شفرات التحول الحقيقية لاوطانهم وللعالم كأجمع، ليذكرهم التاريخ في صفحاته، تماماً كما ذكر جورج واشنطن وابراهيم لينكولن وجورج اورويل وارنست همنغواي وديستوفيكي وايضاً صديقي فارع المسلمي الذي وقف في الكونغرس يتحدث بغضب عن تحليق طائرات الدرونز الاميركية في سماء اليمن.


تصل نسبة فئة الشباب في اليمن ضمن التشكيلة السكانية ما يزيد عن 70% من اجمالي عدد السكان وفق اخر احصائية قامت بها الحكومة، نسبة كهذه ممتلئة بالطاقة والحيوية وروح الشباب والقدرة على البناء والابداع واحداث تغييرات جذرية في منحنيات عدة، بالإمكان ان تم استغلالها الاستغلال الامثل ان يتم الاعتماد عليها في بناء المجتمعات، وهذا لن يحدث الا في بلد مؤسسي ديمقراطي، لكن الخوف ان تتجه هذه النسبة الى جماعات العنف والصراعات السياسية والطائفية والمناطقية، ليتسبب ذلك في زعزعة البلاد، خاصة وهي تقع في موقع جيوسياسي هام، يشرف فيها على طريق التجارة العالمية الذي يمر من مضيق باب المندب، ومنطقة جاذبة لخارطة التحالفات الاقليمية والدولية.


تحتاج اليمن الان اكثر من أي وقت مضى الى قادة حقيقيين يصنعون مستقبلاً افضل لابناء بلدهم، خاصة واليمن اصبحت تتربع على قائمة الدول الفاشلة في العالم، وتتهددها الصراعات وجماعات العنف ومستقبل اخطر، لكن رغم ذلك يبقى الامل موجود في قلوب ابنائه بالرغم من غياب المؤشرات.