الأربعاء، 6 مايو 2015

نازحون يمنيون ... نزوح من الخطر الى الخطر


اطفال نازحون شمال صنعاء
هشام الزيادي


تزداد معاناة النازحين يوماً بعد آخر مع اشتداد وطأة المعارك بين ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس السابق من ناحية والقوات والمجموعات المسلحة المؤيدة للرئيس الشرعي الذي يقيم في العاصمة السعودية الرياض من ناحية أخرى.

ففي خارطة الصراع لهذا البلد والذي اشتدت حدته مع انقلاب تلك القوى على الرئيس الشرعي في فبراير الماضي تنتشر اعمال العنف في عدة مدن وقرى يمنية، فالعاصمة صنعاء تشهد يومياً وبشكل مكثف غارات جوية من قبل التحالف التي تقوده السعودية ضد الإنقلابيين، بينما في المدن الاخرى في جنوب وشرق ووسط البلاد يقاتل الاهالي تمدد تلك القوات الى مدنهم وسط سقوط العديد من القتلى والجرحى، ويتصدر المدنيون قائمة الضحايا الذين يلقون حتفهم في الشوارع او في منازلهم اثر تعرضها لقصف من اليات عسكرية تابعة للانقلابيين او الضربات الخاطئة التي تحدث احياناً من قبل الطائرات المقاتلة لقوات التحالف.

وتفتقد الكثير من المدن لملاجئ يحتمي بها المدنيون من قصف قوات التحالف على مدنهم او عند توغل الحوثيين وقوات الرئيس السابق باستخدام الاليات الثقيلة وضرب المنازل الآهلة بالسكان، خاصة في مدن تعز وإب وعدن والضالع التي تقوم فيها قوات الانقلاب بقصف عشوائي على المدنيين، مما يزيد من عدد الضحايا الذين يتساقطون يومياً جراء هذه المعارك.

وتشير احصائيات رسمية الى سقوط المئات من المدنيين، بينهم 115 طفلاً خلال فترة لا تتجاوز شهراً واحداً، فيما تقول بيانات الامم المتحدة ان الصراع تسبب في نزوح 150 الف شخص.


النازحون داخل المدن.

بعض السكان هجروا منازلهم في العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية التي تتعرض لاعمال عنف الى قرى ومناطق آمنة، التي تغيب عنها هذه المشاكل ولو بشكل نسبي، والبعض الآخر ممن لا يستطيعون الخروج الى القرى، آثروا الانتقال من مناطق في المدينة الى مناطق أخرى اقل خطراً.

في حي عطان الذي يقع اسفل جبل عطان شهد هذا المكان عدد من الغارات الجوية على مخازن السلاح التي يخبئها الجيش في تلك الجبال التي تحيط بالعاصمة صنعاء.

ذهبنا الى هناك، فوجدنا البيوت خالية، ومعظم السكان كانوا قد هجروها قبيل آخر انفجار شهده حيّهم في العشرين من ابريل والذي تأثرت فيه نصف مناطق العاصمة، في الارجاء بعض الكلاب تنظر الينا بلا مبالاة تبحث عن طعامها في اماكن القمامة، ولا وجود للاهالي، فور وصولنا استقبلنا احمد شجاع الدين خريج كلية القانون، الذي عاد الى منزله لأخذ ماتبقى من الاغراض، أخذنا الى هناك يرينا مدى الضرر الذي لحق بمنزله وقصة نزوحه وعائلته من المكان.


يقول احمد وهو يتجول بين حطام المنزل:" انظر الى اثار الدمار في المنزل، كنت اعيش انا واسرتي هنا، اسرة مكونة من 8 اشخاص، نزحنا من هذا المكان في السابع والعشرين من شهر مارس بعد توالي الضربات الجوية على الوية الصواريخ الكائن في قمة الجبل خلفنا، ووجدنا منطقة اكثر امناً في وسط العاصمة في منزل اخي الكبير الذي استضافنا في منزله"

آثار الحطام على المنزل تعود الى العشرين من ابريل بعد الضربة الجوية الشهيرة على الوية الصواريخ والتي راح ضحيتها اكثر من 30 شخصاً من المدنيين.

يقول احمد ان غالبية سكان الحي نزحوا من المكان بسبب اشتداد الضربات الجوية على مخازن الاسلحة وتطاير هذه الاسلحة على منازل المدنيين.

تكاد قصص من نزحوا من هذا المكان تتشابه كثيراً مع قصة أحمد، فالوضع المأساوي يزداد وينقص من اسرة الى أخرى.

يخاف احمد كثيراً على والديه، فهو كما يقول يحبهم جداً، وفي هذا الوضع قد ربما يسرق الموت احدهم، وهو ما يخافه.

اثناء حديثنا مع احمد يأتي صديقاه عبدالملك البشاري 24 سنة وموسى الشميري 22 عاماً لمساعدته في حمل باقي اغراض المنزل ونقله لمنزل آخر اكثر أمناً، لكنهم حين يسمعون حديثنا يبدؤون بسرد قصصهم الخاصة، واصروّا علينا ان يأخذونا الى حيّهم المجاور.

 توفي اخو عبدالملك وهو يصغره بأربع سنوات، الى جانب عدد اخر من اهالي حياهم جراء تسرب غازات لم يعرف نوعها من مخازن الاسلحة التابعة للجيش بعد ضربة مباشرة لقوات التحالف.

لا تزال اسرته تعاني من اثر صدمة رحيل ابنهم اكرم الذي عاش اللحظات الاخيرة بين يدي اخيه، يحكي عبدالملك بحرقه وهو يتحدث لجهاز التسجيل عن كيف حاول مساعدة اخيه على التنفس في ذلك اليوم ، حيث كان الى جانبه في الحي بعد مغادرة اسرتهم ونزوحهم الى بيت احد اقربائهم في منطقة اخرى من العاصمة

يتحدث عبدالملك بعد ان اغمض عينيه.. يتذكر:" كانت الساعة العاشرة ليلاً ، تسرب الغاز من المعسكر، وبدأ الاهالي يخرجون بشكل هستيري يبحثون عن الهواء، والاكسجين يتناقص في رئتهم، ذهبت مباشرة للبحث عن اخي الذي كان يبعد عني 5 مبانٍ من هنا، ترك الاهالي منازلهم وهم هاربين، لا وجود لسيارات الاسعاف، فقط بعض المبادرات الذاتية من الاهالي لمساعدة كبار السن، كان وضعاً مأسوياً".

لا يبدو على عبدالملك رغبته في مغادرة منزلهم رغم خطورة المكان، حيث يقول:" تعبنا كثيراً في بناء هذا المنزل، لا يوجد لدينا مكان غيره، ومن الصعوبة الان البحث على مكان آخر في وقت قياسي، خاصة مع انعدام المشتقات النفطية وسوء الاحوال المعيشية".

اثناء حديثنا دوّت بعض طلقات مضاد الطيران بعد تحليق طائرة استطلاعية وقال" يجب علينا الاسراع، المكان غير آمن"

عائلته تسكن الان في منطقة ليست بعيدة عن هنا، وكل 10 دقائق تتصل والدته به لتطمئن عليه، تعيش والدته حالة نفسية بعد وفاة ابنها الاصغر وتخشى الان على عبدالملك من ان تفقده، حتى الان لا تزال عائلة عبدالملك في بيت قريبهم وهم ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء المعارك للعودة الى منزلهم.

ليس بعيداً عن بيت عبدالملك، يأخذنا موسى لنرى اضرار منزلهم الذي سقطت عليه بعض الحجارة من الجبل جراء الانفجار الكبير حد تعبيرهم، من الداخل يبدو على البيت وكأن قذيفة سقطت عليه ملحقة اضرار بمرافق البيت، لحسن الحظ لم يتواجد موسى وعائلته .. فقط حارس يحرس بعض البيوت ضمن بمبادرة من سكان الحي وهي ترك بعض شبابها لحراسة اغراض بيوتهم ونزوح عائلاتهم الى اماكن آمنة، في هذا الحي كما في غيره من احياء العاصمة، لا توجد حكومة ترعى الجانب الامني للسكان او اغاثتهم، فقط الاعراف الاجتماعية حسب تعبيرهم هي من تحميهم من نتائج الصراعات كالسرقة والاغتصاب.


هؤلاء هم ضحايا للضربات الجوية لقوات التحالف بقيادة السعودية المؤيدة للرئيس الشرعي على مدن تخضع لسيطرة الانقلابيين، وفي اماكن أخرى في مدن الوسط والجنوب تكثر فيها حركة النزوح بسبب انتهاكات التي يقوم بها الحوثيون ضد سكان تلك المناطق المؤيدة للرئيس الشرعي والرافضة للانقلابيين.

النازحون في جيبوتي

قبل ايام نقلت سفن الاف من اللاجئين اليمنيين الى جيبوتي في الجانب الاخر من البحر الاحمر بعد ان نزحوا من مدنهم التي كانوا يسكنون بها، وهي الدولة الوحيدة حتى الان التي استقبلت لاجئين في اراضيها، الى جانب الصومال التي صرّحت انها لا تستطيع ايواء عدد آخر من اللاجئين اليمنيين بسبب قلة الامكانيات لدى دولة الصومال، بالرغم من غياب الخدمات الاساسية، الا ان هؤلاء اللاجئين يفضلون غياب الخدمات على الموت في بلدهم.

المنظمات الانسانية ودورها في تقديم المساعدات
ويُلاحظ في ظل هذه الازمة غياب الدور الفاعل للمنظمات الانسانية الدولية في توفير الخدمات اللازمة للنازحين وتقديم مساعدات لهم على الارض، وذلك يعود لعدة أسباب حسب تعبير احد ناشطي الاغاثة في احد المنظمات المحلية وهي: الضربات الجوية لمطار صنعاء والمطارات الاخرى بشكل شبه يومي من قبل قوات التحالف والذي يصعّب بدوره وصول المساعدات الانسانية عن طريق الجو، والحظر المفروض على اليمن جواً وبحراً وبراً من جهة هذه القوات، اضافة الى مصادرة الانقلابيين لبعض هذه المساعدات لصالح مقاتليهم، وترد من وقت لآخر انباء عن بعض المساعدات التي تقوم بها منظمة الصليب الاحمر، والتي يرى اطباء وناشطون انها لا تكفي لهذا العدد الكبير من النازحين والمتضررين.


الى ذلك لا توجد مخيمات تأوي النازحين من مناطق الصراعات لتعمل على تنظيم استقبالهم وتقديم المساعدات لهم، وانما تقتصر عملية النزوح الى قيام النازحين بالنزوح الى مناطق اخرى يقيم فيها اقاربهم.

أمل النازحين في العودة
في هذه الاثناء الذي يعيش فيه النازحون وضعاً مأساوياً وسط تجدد المعارك بين الاطراف المتصارعة، تظهر النبرة التفاؤلية في حديث بعض النازحين حول ان الوضع لن يستمر طويلاً وسيعود ابناء هذا الوطن للتصالح مجدداً، ويعود النازحون بدورهم الى منازلهم ليبدؤوا حقبة جديدة في بناء وطنهم.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق